الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
في تذكر المقريزي بسنده عن السهيلي أنه أنشد أبياتاً وقال: إنه ما سأل اللّه سبحانه بها أحد إلا أعطاه إياها وهي هذه الأبيات: يا من يرى ما في الضمير ويسمع * أنت المعد لكل ما يتوقع يا من يرجى للشدائد كلها * يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن * امنن فإن الخير عندك أجمع ما لي سوى فقري إليك وسيلة * فبالافتقار إليك فقري أدفع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة * فلئن رددت فأي باب أقرع ومن الذي أدعو وأهتف باسمه * إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا * الفضل أجزل والمواهب أوسع - (أبو الشيخ [ابن حبان]) ابن حبان (في) كتاب (الثواب) وكذا الديلمي (عن أبي هريرة) وفي الباب عن غيره أيضاً. 4266 - (الدعاء محجوب عن اللّه حتى يصلي على محمد وأهل بيته) جرد من نفسه إنساناً فخاطبه وهو هو والمعنى لا يرفع الدعاء إلى اللّه حتى يستصحبه الصلاة معه بمعنى أن الصلاة عليه هي الوسيلة إلى الإجابة قال الحليمي: وإنما شرعت الصلاة عليه في الدعاء لأنه علمنا الدعاء بأركانه فبقي بعض حقه اعتداداً بالنعمة. - (أبو الشيخ [ابن حبان]) في الثواب (عن علي) أمير المؤمنين ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز مع أن البيهقي خرجه في الشعب بالفظ المزبور عن علي مرفوعاً وموقوفاً بل رواه الترمذي عن ابن عمر بلفظ إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض ولا يصعد منه شيء حتى يصلى على محمد إلخ. 4267 - (الدم مقدار الدرهم يغسل) وجوباً (وتعاد منه الصلاة)[أي إذا صلى وعلى بدنه أو ملبوسه قدر درهم منه وجب قضاء الصلاة وهذا في دم الأجنبي فإنه يعفى عن قليله فقط وهو ما دون الدرهم وبهذا أخذ بعض المجتهدين وأناط الشافعية القلة والكثرة بالعرف] وهذا الحديث فيه حجة على أبي حنيفة في قوله الاستنجاء مستحب لا واجب وهو إحدى الروايتين عن مالك. - (خط) في ترجمة صالح الترمذي عن جعفر بن محمد الشرطي عن أحمد بن جعفر الخلال عن صالح بن محمد الترمذي عن القاسم بن عباد الترمذي عن أبي عامر عن نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة (عن أبي هريرة) وصالح أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه ونوح بن أبي مريم قال أعني الذهبي: تركوه وقال الحاكم: وضع نوح هذا الحديث في فضائل القرآن وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال: نوح كذاب وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات. 4268 - (الدنانير والدراهم خواتيم اللّه في أرضه من جاء بخاتم مولاه قضيت حاجته) يعني أن الدنانير والدراهم إحدى المسخرات لبني آدم قال اللّه تعالى قال الغزالي: من نعم اللّه خلق الدراهم والدنانير وبهما قوام الدنيا وهما حجران لا نفع عينهما لكن يضطر الخلق إليهما لأن كل إنسان يحتاج إلى مطعم وملبس وسائر حوائجه وقد يعجز عما يحتاج ويملك ما يستغني عنه فاحتيج إليهما في المعاوضات ومعرفة قيم الأشياء فخلقهما اللّه حاكمين متوسطين بين سائر الأموال لتقدير الأموال بهما فخلق كالحكم العدل وليتوسل بهما إلى جميع الأشياء لأنهما عزيزان في أنفسهما ولا غرض في عينهما ونسبتهما إلى سائر الأموال واحدة فمن ملكها فكأنه ملك كل شيء لا كمن يملك نحو ثوب فإنه لا يملك إلا ثوباً فلو احتاج لنحو طعام لم يرض صاحبه بالثوب فاحتيج لشيء هو في صورته كأنه ليس بشيء وهو في معناه كأنه كل الأشياء وكما أن المرآة لا لون لها وتحكي كل لون فالنقد لا غرض فيه وهو وسيلة لكل غرض كالحرف لا معنى له في نفسه وتظهر به المعاني في غيره. - (طس) من حديث ابن عيينة وابن أبي فديك عن محمد بن عمرو عن ابن أبي لبينة عن أبيه (عن أبي هريرة) وقال: لا يروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: وفيه أحمد بن محمد بن مالك بن أنس وهو ضعيف وقال الذهبي: حديث ضعيف. 4269 - (الدنيا) قيل سميت الدنيا دنيا لدنوها ودناءتها (حرام على أهل الآخرة) أي ممنوعة عنهم (والآخرة حرام على أهل الدنيا) لأن المتقنع في معاش الدنيا يمكنه التوسع في عمل الآخرة والمتوسع في متاع الدنيا لا يمكنه التوسع في عمل الآخرة لما بينهما من التضاد فهما ضرتان قال الشافعي: من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب. وقال الراغب: كما أن من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما لا يوجد إلا في المغرب وعكسه فكذا من المحال أن يظفر سالك طريق معارف الدنيا بمعارف طريق الآخرة ولا يكاد الجمع بين معرفة طريق الآخرة على التحقيق والتصديق إلا من رشحه اللّه لتعذيب الناس في أمر معاشهم ومعادهم جميعاً كالأنبياء وبعض الحكماء (والدنيا والآخرة حرام على أهل اللّه) لأن جنات عامة المؤمنين جنات المكاسب وجنة كمل العارفين جنات المواهب فأهل الموهبة اتقوا اللّه حق تقاته لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته فصارت جنتهم النظر إلى وجهه الأقدس ونارهم الحجاب عن جماله الأنفس فحجابهم عن رؤيته هو العذاب الأليم وعدم الحجاب هو جنات النعيم ومن ثمة قال البسطامي: إن في الجنة رجالاً لو حجب اللّه عنهم طرفة عين لاستغاثوا من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار فقد استبان بذلك أن الدنيا والآخرة حرام عليهم معاً وقال النصر أبادي: إذا بدا لك شيء من بوادي الحق فلا تلتفت معها إلى جنة ولا إلى نار فإذا رجعت من تلك الحال فعظم ما عظم اللّه. - (فر عن ابن عباس) وفيه جبلة بن سليمان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال ابن معين ليس بثقة. 4270- (الدنيا حلوة) أي مشتهاة مونقة تعجب الناظرين فمن استكثر منها أهلكته كالبهيمة إذا أكثرت من رعي الزرع الأخضر أهلكها ففي تشبيه الدنيا بالخضرة التي ترعاها الأنعام إشارة إلى أن المستكثر منها كالبهائم فغلى العاقل القنع بما تدعو الحاجة منها وتجنب الإفراط والتفريط في تناولها فإنه مهلك وهذا الحديث رواه مسلم بزيادة ولفظه الدنيا حلوة خضرة وإن اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اهـ بنصه، والاستخلاف إقامة الغير مقام النفس أي جعل اللّه الدنيا مزينة لكم وابتلاء لكم فينظر هل تتصرفون فيها بغير ما يرضاه؟ وقوله فاتقوا أي احذروا من الاغترار بما فيها فإنه في وشيك الزوال واحذروا النساء [ص 545] وقبول قولهنّ فإنهنّ ناقصات عقل وقوله أول فتنة بني إسرائيل هي أن رجلاً اسمه عائيل طلب من ابن أخيه أو ابن عمه أن يزوجه بنته فأبى فقتله لينكحها وقيل لينكح زوجته وهو الذي نزلت فيه آية البقرة. هل الدنيا ما على الأرض إلى قيام الساعة أو كل موجود قبل الحشر أو ما أدرك حساً والآخرة ما أدرك عقلاً أو ما فيه شهوة للنفس؟ رجح النووي الثاني وبعض المحققين ما قبل الآخر. - (طب عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية أمّ المؤمنين ماتت بعد الخمسين وعزاه المصنف نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الشيخين معاً ولفظهما الدنيا خضرة حلوة وذكر أنه متواتر. 4271 - (الدنيا حلوة رطبة) في وصفها بالخضرة وتشبيهها بالخضروات مع ما مر إشارة إلى سرعة زوالها وفنائها وأنها غرّارة تفتن الناس بحسنها وطرواتها ونضارتها قال بعض العارفين: من جرعته الدنيا حلاوتها جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها. - (فر عن سعد) بن أبي وقاص وفيه مصعب بن سعيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: خرجه ابن عدي ورواه عنه الحاكم أيضاً ومن طريقه وعنه أورده الديلمي مصرحاً فلو عزاه إليه لكان أولى. 4272 - (الدنيا حلوة خضرة) إنباء عن طيب المذاق والمخبر وحسن المرأى والمنظر (فمن أخذها بحقه بورك له فيها) أي انتفع بما يأخذه في الدنيا بالتنمية وفي الآخرة بأجر النفقة (ورب متخوض) أي مسارع ومنهمك (فيما اشتهت نفسه) منها (ليس له يوم القيامة إلا النار) يريد أن للدنيا ظاهراً وباطناً فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها وإليه أشار قوله سبحانه - (طب عن ابن عمرو) بن العاص قال المنذري: رواته ثقات وقال الهيثمي: رجاله ثقات. 4273 - (الدنيا حلوة خضرة) أي روضة خضراء أو شجرة ناعمة غضة مستحلاة الطعم (من اكتسب فيها مالاً من حله وأنفقه في حقه أثابه اللّه عليه) في الآخرة (وأورده جنته) أي أد\خله إياها (ومن اكتسب فيها مالاً من غير حله و أنفقه في غير حقه أحله اللّه دار الهوان ورب متخوض في مال اللّه ورسوله له النار يوم القيامة) فالدنيا لا تذمّ لذاتها فإنها مزرعة الآخرة فمن أخذ منها مراعياً للقوانين الشرعية أعانته على آخرته ومن ثمة قيل: لا تركن إلى الدنيا فإنها لا تبقي على أحد ولا تتركها فإن الآخرة لا تنال إلا بها. - (هب عن ابن عمر) بن الخطاب. 4274 - (الدنيا دار من لا دار له) قال الطيبي: لما كان القصد الأول من الدار الإقامة مع عيش هنيء أبديّ والدنيا بخلافه لم تستحق أن تسمى داراً فمن داره الدنيا فلا دار له يا فرقة الأحباب لا بد لي منك * ويا دار دنيا إنني راحل عنك ويا قصر الأيام ما لي وللمنى * ويا سكرات الموت ما لي وللضحك وما لي لا أبكي لنفسي بعبرة * إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي ألا أي حيّ ليس بالموت موقنا * وأي يقين منه أشبه بالشك - (حم هب عن عائشة هب عن ابن مسعود موقوفاً) قال المنذري والحافظ العراقي: إسناده جيد وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير دويل وهو ثقة. 4275 - (الدنيا) أي الحياة الدنيا (سجن المؤمن) بالنسبة لما أعدّ له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم وعما قريب يحصل في السجن المستدام نسأل اللّه السلام يوم القيامة وقيل المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة قال السهروردي: والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن عاى توالي الساعات ومرور الأوقات لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج؟ فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة تشهياً إلى الآجلة وتنزهاً في فضاء الملكوت ومشاهدة للجمال الأزلي حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه فكدر صفو العيش عليه وحال بينه وبين محبوب طبعه وهذا من أعظم السجون وأضيقها فإن من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه (تتمة) ذكروا أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة مر يوماً بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار وأثوابه ملطخة بالزيت وهو في غاية الرثاثة والشناعة فقبض على لجام بغلته وقال: يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها فقال: أنا بالنسبة لما أعد اللّه لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعدّ لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة فأسلم اليهودي. - (حم م) في الرقائق (ت ه) في الزهد (عن أبي هريرة طب ك عن سلمان) ورواه عنه العسكري في الأمثال بأبسط من هذا وزاد بيان السبب فأخرج عن عامر بن عطية قال: رأيت سلمان أكره على طعام فقال: حسبي أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (البزار عن ابن عمر) بن الخطاب زاد ابن المبارك في رواية عن ابن عمر وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه فجعل يتقلب في الأرض ويتفسح فيها. 4276 - (الدنيا سجن المؤمن) لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة (وسنته) [ص 547] بفتح أوله (فإذا فارق الدنيا) بالموت (فارق السجن والسنة) بفتح السين المهملة القحط والجدب هكذا ضبطه الزركشي في اللآلئ وتبعه المؤلف في شرح الصدور قال بعض العارفين: الدنيا سجن للمؤمن إن شعر به وضيق فيه على نفسه طلبت السراج منه إلى الآخرة فليسعد ومن لم يشعر بأنها سجن فوسع فيها على نفسه طلبت البقاء فيها وليست بباقية فيشقى. ولما مات داود الطائي سمعت الهتفة تقول أطلق داود من السجن وقال بعض الصوفية: حق ملك الموت أن نحييه بالسلام فإنه سبب في خلاصنا من عالم الكون والفساد فحقه عظيم وشكره لازم وحكي أن قوماً من الأوائل كانوا يعظمون زحلاً بالتقديس ويقولون لا يعين على الحياة العرضية بل هو سبب إنقاذنا من الدنيا الدنية. - (حم طب) حل (ك عن ابن عمرو) بن العاص ولم يصححه الحاكم بل سكت قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد اللّه بن جنادة وهو ثقة. 4277 - (الدنيا) كلها كذا هو عند الديلمي وكأنه سقط من قلم المصنف سهواً (سبعة أيام من أيام الآخرة) تمامه عند مخرجه الديلمي وذلك قوله عز وجل - (فر) من حديث العلاء بن زيدك (عن أنس) قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن المديني: العلاء بن زيدك يضع الحديث اهـ وفي الميزان: إنه تالف يضع وقال البخاري: إنه منكر الحديث وساق له مناكير هذا منها وقال ابن حبان: يروى عن أنس نسخة موضوعة. وقال السخاوي: إسناده غير ثابت. 4278 - (الدنيا سبعة آلاف سنة) أي عمرها ذلك بعدد النجوم السيارة لكل واحد ألف سنة قال الحرالي: الألف كمال العدد بكمال ثالث رتبة والسنة آخر تمام دورة الشمس وتمام اثنتي عشرة دورة القمر (أنا) وفي رواية وأنا بالواو (في آخرها ألفاً) فإذا تمت السبعة فذلك وقت تقرض العالم وطيِّ الدنيا وقد أكثر الناس الخوض في ذلك فأخذ البعض بما صرح به هذا الخبر المعلول وبالغ العارف البسطامي فادّعى في كتابه مفتاح الجفر اتفاق وجوه الملل عليه فقال: اتفق أهل الملل الأربع المسلمون والنصارى والصابئة واليهود على أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة وقال: قال عليّ كرم اللّه وجهه: الباقي إلى خراب الدنيا ألف سنة وفي التوراة كذلك وفي التوراة الدنيا جمعة من جمع الآخرة وهي سبعة آلاف سنة وإن اللّه يبعث في كل ألف سنة نبياً بمعجزات واضحة وبراهين قاطعة لرفع أعلام دينه القويم وظهور صراطه المستقيم فكان في الألف الأولى آدم وفي الثانية إدريس وفي الثالثة نوح وفي الرابعة إبراهيم وفي الخامسة موسى وفي السادسة عيسى وفي السابعة محمد التي ختمت به النبوة وتمت به الآلاف فالألف الأولى لزحل والثانية [ص 548] للمشتري والثالثة للمريخ والرابعة للشمس والخامسة للزهرة والسادسة لعطارد والسابعة للقمر فالمتدلي على ألف آدم حرف الألف وعلى ألف إدريس حرف الباء وعلى ألف نوح حرف الجيم وعلى ألف إبراهيم حرف الدال وعلى ألف موسى حرف الهاء وعلى ألف عيسى حرف الواو وعلى ألف محمد حرف الزاي وذهب البعض إلى أن عمر الدنيا اثنا عشر ألف سنة بعدد البروج لكل برج ألف وقال البعض: ثلاث مئة وستون ألف سنة بعدد درجات الفلك وذكر الهند له حساباً طويلاً جعلوا في آخره اجتماع الكواكب في آخر نقطة من الحوت فتعود كما كانت حين تحركت من أول نقطة من الحمل وما بقي من أيام العالم عندهم في هذا الحساب أكثر مما مضى وما ذكر إنما هو ظنّ والظنّ لا يغني من الحق شيئاً ويتوجه على كل قول من الأقوال الثلاثة أن هذا الحكم وإن كان ملائماً لوضع الأفلاك والكواكب فيجوز إذا مرت بعد الآلاف أن يحدث قطع كالإنسان الذي يمكن بقاؤه لكل طبيعة من الطبائع الأربع التي فيه مدّة من المدد والألفية مرت به قسمة بعضها انقطع عمره فلم يبلغ قسمة ما بقي منها فكذا يجوز مثله على عمر العالم والكواكب مختلفة الأحوال مختلفة القوى متفاوتة الأجرام فما الدليل على أن الذي يصيب كل كوكب أو كل برج ألف لا أقل ولا أكثر؟ فيتعين تفويض مدته إلى اللّه كما جاء به القرآن قال مغلطاي: وهذا الحديث لا مسكة فيه فقد ذكر ابن الأثير في منال الطلب أن ألفاظه مصنوعة ملفقة وهو متداول بين رواة الحديث وأئمته وذكر بعض الحفاظ أنه موضوع ولما ذكره أبو الفرج في العلل وصف بعض رواته بالوضع وقال الذهبي: قد جاءت النصوص في فناء هذه الدار وأهلها ونسف الجبال وذلك تواتره قطعي لا محيد عنه ولا يعلم متى ذلك إلا اللّه فمن زعم أنه يعلمه بحساب أو بشيء من علم الحرف أو بكشف أو بنحو ذلك فهو ضال مضل. - (طب والبيهقي في الدلائل) وكذا ابن لال والديلمي (عن الضحاك بن زمل) الجهني تبع المصنف في تسميته الضحاك الطبراني ووافق الطبراني أبو نعيم قال ابن الأثير: أراهما ذهبا غير مذهب ولعلهما حفظا اسم الضحاك بن زمل فظناه ذاك والضحاك من أتباع التابعين قال ابن المديني: أما ابن زمل هذا فلا أعلمه تسمى في شيء من الروايات قال مغلطاي: وذكر العسكري وابن منده وابن حبان اسمه عبد اللّه ولما ذكر ابن حبان زملاً في الصحابة قال: يقال له صحبة غير أني لا أعتمد على إسناد خبره وقال في الروض الأنف: هذا الحديث وإن كان ضعيفاً فقد روي موقوفاً على ابن عباس من طرق صحاح وتعضده آثار اهـ. وقال ابن حجر: هذا الحديث إنما هو عن ابن زمل وسنده ضعيف جداً وأخرجه ابن السبكي في الصحابة وقال: إسناده مجهول وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. 4279 - (الدنيا كلها متاع) هي مع دناءتها إلى فناء وإنما خلق ما فيها لأن يستمتع به مع حقارته أمداً قليلاً ثم ينقضي والمتاع ما ليس له بقاء قال في الكشاف: شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغرّ حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته وقال الحرالي: وعبر بلفظ المتاع إفهاماً لخستها لكونه من أسماء الجيفة التي إنما هي مثال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الفناء عنها وأصل المتاع انتفاع ممتد من قولهم ماتع أي مرتفع طويل قال في الكشاف: هو من متع النهار إذا طال ولهذا يستعمل في امتداد مشارق الأرض للزوال ومنه متاع المسافر والتمتع بالنساء ولهذا غلب استعماله في معرض التحقير سيما في القرآن (وخير متاعها المرأة الصالحة) قال الطيبي: المتاع من التمتع بالشيء وهو الانتفاع به وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا متاع والظاهر أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أخبرنا بأن الاستمتاعات الدنيوية كلها حقيرة ولا يؤبه بها وذلك أنه تعالى لما ذكر أصنافها وملاذها في آية - (حم م ن) في النكاح (عن ابن عمرو) بن العاص ولم يخرجه البخاري. 4280 - (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان منها للّه عز وجل) يمكن أن يكون المراد بلعنها ملاذ شهواتها وجمع حطامها وما زين من حب النساء والبنين وقناطير الذهب والفضة وحب البقاء بها فيكون قوله ملعونة متروكة مبعدة متروك ما فيها واللعن للترك وقد يراد أنها متروكة للأنبياء والأصفياء كما في خبر لهم الدنيا ولنا الآخرة. - (حل والضياء) المقدسي (عن جابر) بن عبد اللّه رمز المصنف لحسنه. 4281 - (الدنيا ملعونة) لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذاتها وإمالتها عن العبودية إلى الهوى حتى سلكت غير طريق الهدى (ملعون ما فيها إلا ذكر اللّه وما والاه) أي ما يحبه اللّه في الدنيا والموالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا: يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر اللّه وما أحبه اللّه مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون وقال الأشرفي: المراد بما يوالي ذكر اللّه طاعته واتباع أمره وتجنب نهيه لأن ذكر اللّه يقتضي ذلك (وعالماً أو متعلماً) أي هي وما فيها مبعد عن اللّه تعالى إلا العلم النافع الدال على اللّه فهذا هو المقصود ومنها قوله عالماً أو متعلماً بالنصب عطفاً على ذكر اللّه لأنه مستثنى من موجب وروي بالرفع أيضاً قال الطيبي: والنصب ظاهر والرفع على التأويل كأنه قيل الدنيا مذمومة لا يحمد مما فيها إلا ذكر اللّه وعالم ومتعلم وكان حق الظاهر أن يكتفي بقوله وما والاه لاحتوائه على جميع الخيرات والفاضلات ومستحسنات الشرع لكنه خصص بعد التعميم دلالة على فضل العالم والمتعلم وتفخيماً لشأنهما صريحاً وايذاناً بأن جميع الناس سواهما همج وتنبيهاً على أن المعنى بالعالم والمتعلم العلماء باللّه الجامعون بين العلم والعمل فيخرج الجهلاء وعلم لم يعمل بعلمه ومن يعمل عمل الفضول وما لا يتعلق بالدين وفيه أن ذكر اللّه أفضل الأعمال ورأس كل عبادة والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة. قال ابن عطاء اللّه: تحقيرك للدنيا وأنت مقبل عليها زور وبهتان وتعظميك للّه مع وجود إعراضك عنه من أمارات الخذلان كيف ترجو أن يكون لك قدر عنده وقد استعبدك ما ليس له قدر عنده لو اشتغلت بالباقيات عنه ما كان ذلك عذر لك عنده هذا إن اشتغلت بباق يبقى فكيف إذا اشتغلت بفان يفنى.
|